الأطفال في بيت النبوة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
فإن تربية الطفل على الاستقامة، وتعليمه طرق الفلاح والصلاح، وفتح باب الخير له، والاكتشاف والـمعرفة مَهَمَّة أوكلها الله تعالى إلى الآباء فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾[التحريم:6].
ولما كان التعاون على الخير أصلا معتبرا في شرعنا، فقد أجاز الشرع الحنيف أن يوكل الآباء غيرهم ليقـوموا بجزء من وظيفتهم في التربيـة والتعليم، فكان المعلمون بهذا الأصل وكلاء شرعيين لأداء مهمتهم مع الأبناء، ومن هنا جاءت القاعدة التربوية لتنص على أن المعلم ينزّل منزلة الأب في التأديب والتعليم.
وعليه فإن مسؤولية المعلم في منهج التربية الإسلامية لا تقتصر على مجرد التلقين ونقل المعلومة، بل تتعدى ذلك إلى الرعاية والاهتمام والتهذيب.
ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا نزّل المعلم نفسه منزلة الأب في الحرص على خير الأبناء، فغمرهم بالرحمة وشملهم بعطفه وحبه وعنايته.
ولقد منَّ الله تعالى على هذه الأمة بأن بعث فيهم رسولا منهم، وكان بهم رؤوفا رحيما، فدلهم على الـخير والنجاة، وحذرهم من كـل الشرور والمهلكات، فكان صلى الله عليه وسلم بأمته أحرص من الأب على ابنه، والأم على ولدها، ولذا وجب على المعلمين أن ينهلوا من هديه صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم ليسلكوا بتلامذتهم المسلك الصحيح، ويقوموا بمسؤولياتهم أحسن قيام.
وفي هذه الصفحة نحاول أن نستعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع الأطفال سواء أكانوا من البنات أم الأحفاد أو ربائب أو غيرهم، لنرتشف من عبيق سيرته ما يضفي على العملية التربوية الفعالية والنجاح.
الحلقة الأولى: مع ربيبه عمر بن أبي سلمة.
روى البخاري في «صحيحه» عن عمر بن أبي سلمة قال: «كنت غلاما في حجر(1) رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش(2) في الصحفة(3) فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلَامُ! سَمِّ اللهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فما زالت تلك طعمتي بعد»(4)، وفي رواية أبي داود(5): «ادْنُ بُنَيَّ فَسَمِّ اللهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، وفي رواية الترمذي(6): «ادْنُ يَا بُنَيَّ: وَسَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ».
ففي هذا الحديث مواقف تربوية عظيمة منها:
أوَّلا: فيه اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بسلوك ربيبه عمر بن أبي سلمة أثناء الأكل، والحرص على معالجة خطئه، حتى لا يصير ذلك عادة سلوكية يصعب مع مرور الأيام تركها، وهذا يدل على أن العملية التعليمية لا تقتصر على تزويد الطالب بالمعارف بل تقتضي كذلك حل المشكلات ومعالجة الأخطاء السلوكية.
ثانيا: طريقة معالجة النبي صلى الله عليه وسلم لخطأ عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه بأسلوب الأب المشفق والمعلم الرحيم، حيث ناداه بعبارة فيها تحنُّن وتلطف وعطف، فقال: «يَا غُلَامُ»، وفي رواية أبي داود «ادْنُ بُنَيَّ»، وفي رواية الترمذي: «ادْنُ يَا بُنَيَّ»، ولاشكَّ أن هذا النداء يشيع في النفس الطمأنينة، ويثير فيها حب الاستجابة وحب التطلع إلى ما يقوله المربي، وفيه دعوة للمعلمين إلى ضرورة الاعتناء بمخاطبة تلامذتهم بما لا يدعوهم إلى النفور والقلق والخوف أو التذمر، فليس من اللائق مناداة التلميذ ـ إذا ما أخطأ ـ بأسماء الحيوان، أو بألفاظ نابية تجعله محل هزء بين أصحابه، وربما أدى ذلك إلى رد فعل سلبي تحول مع مرور الزمن إلى كره المدرسة أصلا، فإقرار مبدأ الرفق والملاطفة في التعامل مع الأطفال مسلك نبويٌّ مرعيٌّ قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»(7).
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر الطفل بالحل مباشرة قائلا له: «سَمِّ اللَه وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» ليفهمه بطريق غير مباشر أن ما كان يفعله خطأ يجب تركه، وفي هذا تنبيه للمعلمين إلى ضرورة مراعاة نفوس التلاميذ، فلا يعيرونهم بأخطائهم، أو يتوسَّعون في ذكرها أمام التلاميذ، بل يجعلون همَّهم إصلاح الخطأ بأيسر طريق وأنجح سبيل، وإذا رأى الأستاذ أن هذا الخطأ قد يتكرَّر عند التلاميذ، فلا بأس من استعمال أسلوب التعريض ليعمَّ التعرُّف على المشكلة وأسبابها وسبل علاجها.
الرابع: أن تعليمه صلى الله عليه وسلم الطفل آداب الأكل والاهتمام به(8) يدل من باب أولى على ضرورة الاعتناء ببعض الأحكام الشرعية الأخرى التي يحتاج إليها الصبي كالوضوء وأحكام الصلاة.
الخامس: أن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الصغير البداءة ببسم الله في الأكل فيه ربط للصبي بالله تعالى، وأن يعتقد أنَّ الفضل من الله تعالى لا شريك له، لذلك يستحق أن يطاع ويشكر، وفي ذلك تنبيه للمعلمين على ضرورة الاعتناء بالأصل العقدي والبداءة به، ليشبَّ الأطفال وقد تعلقت نفوسهم بالله تعالى.
السادس: أن هذا المسلك التعليمي دل على فعاليته ونجاحه وأثره الطيب على الأطفال، قولُ عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه في آخر الحديث: «فما زالت تلك طعمتي بعد».
ليست هناك تعليقات :
اضافة تعليق